فصل: فصل في ذكر نكتة حسنة في هذا الحديث المطلوب فيه الصلاة عليه وعلى آله كما صلى على إبراهيم وعلى آله:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال نظام الدين النيسابوري في الآيتين:

{إِنَّ الله اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)}:
ثم أنه تعالى لما بين أن محبته لا تتم إلا بمتابعة الرسل بيّن علو درجات الرسل وسموّ طبقاتهم فقال: {إن الله اصطفى آدم ونوحًا} الآية أي جعلهم صفوة خلقه والمختارين من بينهم تمثيلًا بما يشاهد من الشيء الذي يصفى وينقى من الكدورة، وذلك باستخلاصهم من الصفات الذميمة وتحليتهم بالخصال الحميدة كقوله: {الله أعلم حيث يجعل رسالاته} [الأنعام: 124] وقيل: المعنى أن الله اصطفى دين آدم ودين نوح ولكن الأصل عدم الإضمار. وذكر الحليمي في كتاب المنهاج أن الأنبياء عليهم السلام مخالفون لغيرهم في القوى الجسمانية والقوى الروحانية. أما القوى الجسمانية فهي إما مدركة أو محركة.
أما المدركة فهي الحواس الظاهرة أو الباطنة أما الظاهرة فقوله صلى الله عليه وسلم: «زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها» وقوله: «أقيموا صفوفكم وتراصوا فإني أراكم من وراء ظهري» وهذا يدل على كمال القوة الباصرة ونظيرها ما حصل لإبراهيم عليه السلام {وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض} [الأنعام: 75] ذكروا في تفسيره أن الله تعالى قوّى بصره حتى شاهد جميع الملكوت وليس بمستبعد، فإنه يروى أن زرقاء اليمامة كانت تبصر من مسيرة ثلاثة أيام. ويقال: إن النسر وغيره من عظام الجوارح يرتفع فيرى صيده من مائة فرسخ. وقال صلى الله عليه وسلم: «أطت السماء وحق لها أن تئط» فسمع أطيط السماء. ومثله ما زعمت الفلاسفة أن فيثاغورس راض نفسه حتى سمع حفيف الفلك. وقد سمع سليمان كلام النمل وفهمه. ومثله ما يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم مع الذئب ومع البعير، وقد وجد يعقوب صلى الله عليه وسلم ريح يوسف من مسيرة أيام. وقال صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الذراع يخبرني أنه مسموم» وهو دليل كمال قوة الذوق. وجعل النار بردًا وسلامًا على إبراهيم، قيل: وهو دليل قوة اللمس كما في النعامة والسمندل وفيه نظر، إذ لا إدراك هاهنا فكيف يستدل به على قوة الإدراك؟ بل يجب أن يحمل هذا على معنى آخر وهو أنه تعالى لا يبعد أن يجعل المنافي ملائمًا للإعجاز أو لخاصية أودعها في المنافي حتى يصير ملائمًا. وأما الحواس الباطنة فمنها قوة الحفظ قال تعالى: {سنقرئك فلا تنسى} [الأعلى: 6] ومنها قوة الذكاء قال علي رضي الله عنه: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف باب من العلم فاستنبطت من كل باب ألف باب. وإذا كان حال الولي هكذا فكيف حال النبي؟ وأما القوة المحركة فكعروج النبي صلى الله عليه وسلم وعروج عيسى عليه السلام إلى السماء، وكرفع إدريس وإلياس على ما ورد في الأخبار. وأما القوة الروحانية العقلية فنقول: إن النفس القدسية النبوية مخالفة بماهيتها لسائر النفوس، أو كالمخالفة صفاء ونورية وانجذابًا إلى عالم الأرواح، فلا جرم تجري عليها الأنوار الفائضة من المبادئ العالية أتم من سائر النفوس وأكمل، ولهذا بعثت مكملة للناقصين ومعلمة للجاهلين ومرشدة للطالبين مصطفاة على العالمين من جميع سكان الأرضين عند من يقول الملك أفضل من البشر، أو من سكان السموات أيضا عند من يرى البشر أفضل المخلوقات. ثم إن القرآن دل على أن أول الأنبياء اصفطاء آدم صفي الله وخليفته. ثم أنه وضع كمال القوة الروحانية في شعبة معينة من أولاد آدم وهم: شيث وأولاده إلى إدريس، ثم إلى نوح ثم إلى إبرهيم ثم انشعب من إبراهيم صلى الله عليه وسلم شعبتان: إسماعيل وإسحق.
فجعل إسماعيل مبدأ لظهور الروح القدسية لمحمد صلى الله عليه وسلم، وجعل إسحق مبدأ لشعبتين يعقوب وعيص. فوضع النبوة في نسل يعقوب، ووضع الملك في نسل عيص، واستمر ذلك إلى زمان محمد صلى الله عليه وسلم. فلما ظهر محمد صلى الله عليه وسلم نقل نور النبوة ونور الملك إليه صلى الله عليه وسلم وبقي الدين والملك في أمته صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، فالمراد بآل إبراهيم أولاده عليهم الصلاة والسلام وهو المطلوب بقوله: {ومن ذريتي} [البقرة: 124] بعد قوله: {إني جاعلك للناس إمامًا} [البقرة: 124] وأما آل عمران فقيل: أولاد عمران بن يصهر والدموسي وهارون. وقيل: المراد بعمران والد مريم وهو عمران بن ماثان بدليل قوله عقيبه {إذ قالت امرأة عمران} [آل عمران: 35] ولا شك أنه عمران بن ماثان جد عيسى من قبل الأم، ولأن الكلام سيق للناصرى الذين يحتجون على إلهية عيسى عليه السلام بالخوارق التي ظهرت على يده. فالله تعالى يقول: إن ذلك باصطفاء الله إياه لا لكونه شريكًا للإله ولأن هذا اللفظ شديد المطابقة لقوله تعالى: {وجعلناها وابنها آية للعالمين} [الأنبياء: 91].
{ذرية} بدل ممن سوى آدم {بعضها من بعض} قيل: أي في التوحيد والإخلاص والطاعة كقوله: {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض} [التوبة: 67] وذلك لاشتراكهم في النفاق. وقيل: معناه أن غير آدم كانوا متوالدين من آدم. وقيل: يعني أن الآلين ذرية واحدة متسلسلة بعضها متشعب من بعض، موسى وهارون من عمران، وعمران من يصهر، ويصهر من قاهث، وقاهث من لاوي، ولاوي من يعقوب، ويعقوب من إسحق. وكذلك عيسى من مريم، ومريم بنت عمران بن ماثان. ثم قال في الكشاف: ماثان بن سليمان بن داود بن ايشا بن يهوذا بن يعقوب بن إسحق وفيه نظر، لأن بين ماثان وسليمان قومًا آخرين، وكذلك بين ايشا ويهوذا.
{والله سميع} لأقوال العباد {عليم} بضمائرهم وأفعالهم فيصطفي من خلقه من يعلم استقامته قولًا وفعلًا. ويحتمل أن يكون الكلام مع اليهود والنصارى الذين كانوا يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه تغريرًا للعوام مع علمهم ببطلان هذا الكلام، فيكون أول الكلام تشريفًا للمرسلين وآخره تهديدًا للمبطلين كأنه قيل: والله سميع لأقوالهم الباطلة، عليم بأغراضهم الفاسدة فيجازيهم بحسب ذلك. ويحتمل أن يتعلق بما بعده كما في الوقوف. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

قال ابن القيم رحمه الله:

.فصل في ذكر نكتة حسنة في هذا الحديث المطلوب فيه الصلاة عليه وعلى آله كما صلى على إبراهيم وعلى آله:

وهي أن أكثر الأحاديث الصحاح والحسان، بل كلها مصرحة بذكر النبي صلى الله عليه وسلم وبذكر آله، وأما في حق المشبه به وهو إبراهيم وآله، فإنما جاءت بذكر آل إبراهيم فقط دون ذكر إبراهيم، أو بذكره فقط دون ذكر آله، ولم يجئ حديث صحيح فيه لفظ إبراهيم وآل إبراهيم، كما تظاهرت على لفظ: محمد وآل محمد.
ونحن نسوق الأحاديث الواردة في ذلك، ثم نذكر ما يسره الله تعالى في سر ذلك. فنقول: هذا الحديث في الصحيح من أربعة أوجه:
أشهرها حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: قد عرفنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك- وفي لفظ: وبارك- على محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد».
رواه البخاري ومسلم وأبو دود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد ابن حنبل في المسند، وهذا لفظهم إلا الترمذي فإنه قال: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم» فقط، وكذا في البركة، ولم يذكر الآل، وهي رواية لأبي داود.
وفي رواية: «كما صليت على آل إبراهيم» بذكر الآل فقط، وكما باركت على إبراهيم بذكره فقط.
وفي الصحيحين من حديث أبي حميد الساعدي، قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: «اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم أنك حميد مجيد» هذا هو اللفظ المشهور.
وقد روي فيه: «كما صليت على إبراهيم، وكما باركت على إبراهيم» بدون لفظ الآل في الموضعين.
وفي البخاري: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قلنا يا رسول الله، هذا السلام عليك فكيف الصلاة عليك؟ قال: «قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم».
وفي صحيح مسلم: عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير أبن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين أنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم».
وقد روي هذا الحديث بلفظ آخر: «كما صليت على إبراهيم»، و«كما باركت على إبراهيم» لم يذكر الآل فيهما.
وفي رواية أخرى: «كما صليت على إبراهيم»، و«كما باركت على آل إبراهيم» بذكر إبراهيم وحده في الأول والآل فقط في الثانية.
هذه هي الألفاظ المشهورة في هذه الأحاديث المشهورة، في أكثرها لفظ: آل إبراهيم في الموضعين، وفي بعضها لفظ: إبراهيم فيهما، وفي بعضها لفظ: إبراهيم في الأول والآل في الثاني، وفي بعضها عكسه.
وأما الجمع بين إبراهيم وآل إبراهيم، فرواه البيهقي في سننه: من حديث يحيى بن السباق عن رجل من بني الحارث، عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدًا وآل محمد، كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد». وهذا إسناد ضعيف.
ورواه الدارقطني: من حديث ابن إسحاق، حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن محمد بن عبد الله بن يزيد بن عبد ربه، عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، فذكر الحديث وفيه: «اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد النبي الأمي، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، أنك حميد مجيد». ثم قال: هذا إسناد حسن متصل.
وفي النسائي: من حديث موسى بن طلحة، عن أبيه، قال: قلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليك؟ قال: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، أنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد» ولكن رواه هكذا، ورواه مقتصرًا فيه على ذكر إبراهيم في الموضعين.
وقد روى ابن ماجه حديثًا آخر موقوفًا على ابن مسعود فيه، إبراهيم وآل إبراهيم قال في السنن: حدثنا الحسين بن بيان، حدثنا زياد بن عبد الله، حدثنا المسعودي، عن عون بن عبد الله، عن أبي فاخته، عن الأسود بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: «إذا صليتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة عليه، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه»، قال: فقالوا له: فعلمنا؟ قال: قولوا: «اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين، محمد عبدك ورسولك إمام الخير، وقائد الخير، ورسول الرحمة، اللهم أبعثه مقامًا محمودًا يغبطه به الأولون والآخرون، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم أنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم أنك حميد مجيد» وهذا موقوف.
وعامة الأحاديث في الصحاح والسنن كما ذكرنا أولًا بالاقتصار على الآل، أو إبراهيم في الموضعين، أو الآل في أحدهما وإبراهيم في الآخر، وكذلك في حديث أبي هريرة المتقدم في أول الكتاب وغيره من الأحاديث، فحيث جاء ذكر إبراهيم وحده في الموضعين فلأنه الأصل في الصلاة المخبر بها، وآله تبع له فيها، فدل ذكر المتبوع على التابع، واندرج فيه، وأغنى عن ذكره. وحيث جاء ذكر آله فقط فلأنه داخل في آله كما تقدم تقريره، فيكون ذكر آل إبراهيم مغنيًا عن ذكره، وذكر آله بلفظين، وحيث جاء في أحدهما ذكره فقط وفي الآخر ذكر آله فقط كان ذلك جمعًا بين الأمرين، فيكون قد ذكر المتبوع الذي هو الأصل، وذكر أتباعه بلفظ يدخل هو فيهم.
يبقى أن يقال، فلم جاء ذكر محمد وآل محمد بالاقتران دون الاقتصار على أحدهما في عامة الأحاديث، وجاء الاقتصار على إبراهيم وآله في عامتها؟.
وجواب ذلك: أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله ذكرت في مقام الطلب والدعاء، وأما الصلاة على إبراهيم فإنما جاءت في مقام الخبر وذكر الواقع، لأن قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد» جملة طلبية، وقوله: «كما صليت على آل إبراهيم» جملة خبرية، والجملة الطلبية إذا وقعت موقع الدعاء والسؤال، كان بسطها وتطويلها أنسب من اختصارها وحذفه، ولهذا يشرع تكرارها، وإبداؤها وإعادتها، فإنها دعاء والله يحب الملحين في الدعاء، ولهذا تجد كثيرًا من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم فيها من بسط الألفاظ، وذكر كل معنى بصريح لفظه، دون الاكتفاء بدلالة اللفظ الآخر عليه، ما يشهد لذلك، كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث علي الذي رواه مسلم في صحيحه: «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت» ومعلوم أنه لو قيل: اغفر لي كل ما صنعت كان أوجز، ولكن ألفاظ الحديث في مقام الدعاء والتضرع، وإظهار العبودية والافتقار، واستحضار الأنواع التي يتوب العبد منها تفصيلًا أحسن وأبلغ من الإيجاز والاختصار.
وكذلك قوله في الحديث الآخر: «اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله سره وعلانيته، وأوله وآخره»، وفي الحديث: «اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي».
وهذا كثير في الأدعية المأثورة، فإن الدعاء عبودية لله، وافتقار إليه، وتذلل بين يديه، فكلما كثره العبد وطوله وأعاده وأبداه ونوع جمله، كان ذلك أبلغ في عبوديته وإظهار فقره وتذلله وحاجته، وكان ذلك أقرب له من ربه، وأعظم لثوابه، وهذا بخلاف المخلوق، فإنك كلما كثرت سؤاله وكررت حوائجك إليه أبرمته، وثقلت عليه، وهنت عليه، وكلما تركت سؤاله كان أعظم عنده وأحب إليه. والله سبحانه كلما سألته كنت أقرب إليه وأحب إليه، وكلما ألححت عليه في الدعاء أحبك، ومن لم يسأله يغضب عليه:
فالله يغضب إن تركت سؤاله ** وبني آدم حين يسأل يغضب

فالمطلوب يزيد بزيادة الطلب وينقص بنقصانه.
وأما الخبر فهو خبر عن أمر قد وقع وانقضى، لا يحتمل الزيادة والنقصان، فلم يكن في زيادة اللفظ فيه كبير فائدة، ولاسيما ليس المقام مقام أيضاح وتفهيم للمخاطب ليحسن معه البسط والإطناب، فكان الإيجاز فيه والاختصار أكمل وأحسن، فلهذا جاء فيه بلفظ: إبراهيم تارة وبلفظ: آله أخرى، لأن كلا اللفظين يدل على ما يدل عليه الآخر من الوجه الذي قدمناه، فكان المراد باللفظين واحدًا مع الإيجاز والاختصار. وأما في الطلب فلو قيل: صل على محمد لم يكن في هذا ما يدل على الصلاة على آله، إذ هو طلب ودعاء ينشأ بهذا اللفظ، ليس خبرًا عن أمر قد وقع واستقر. ولو قيل: صل على آل محمد لكان النبي صلى الله عليه وسلم إنما يصلى عليه في العموم، فقيل: على محمد وعلى آل محمد فإنه يحصل له بذلك الصلاة عليه بخصوصه، والصلاة عليه بدخوله في آله.